• ×

05:46 مساءً , الأحد 5 مايو 2024

كيف تتعامل الدول مع التدهور الاقتصادي لتتمكن من تحقيق التوازن التجاري

الآن - ظهر مصطلح "تخفيض قيمة العملة" في العديد من البلدان حول العالم، واستخدمت الحكومات وسلطات النقد هذا الإجراء في سياقات مختلفة ، على سبيل المثال ظهر تخفيض قيمة العملة في الصين والهند والبرازيل والأرجنتين والعديد من الدول في محاولة لتحسين تنافسية الصادرات وتعزيز الاقتصاد المحلي ، كما استخدمت بعض البلدان هذا الإجراء للتعامل مع التدهور الاقتصادي أو التضخم ..
ويكون ذلك من خلال ترك سعر صرف العملة في دولة ما ، يتحدد وفقاً لقوى العرض و الطلب في السوق النقدية، أي جعل سعر صرفها محرراً بشكل كامل، بحيث لا تتدخل الحكومة أو المصرف المركزي في تحديده بشكل مباشر ، وإنما يتم إفرازه تلقائيا في سوق العملات من خلال آلية العرض والطلب التي تسمح بتحديد سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية. وتتقلب أسعار صرف العملة العائمة باستمرار مع كل تغير يشهده العرض والطلب على العملات الأجنبية، حتى أنها يمكن أن تتغير عدة مرات في اليوم الواحد.
وهذا الإجراء يمكن أن يتم لتعزيز التنافسية للصادرات أو تحسين التوازن التجاري للبلد، ولكنه قد يؤدي في بعض الأحيان إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة والتضخم في الاقتصاد المحلي.

ويتم التعويم بطريقتين :
* التعويم الخالص: يتم ترك تحديد سعر الصرف لقوى السوق وآلية العرض والطلب بشكل كامل، وتمتنع الدولة عن أي تدخل مباشر أو غير مباشر.
* التعويم المُوجَّه: يتم ترك تحديد سعر الصرف لقوى السوق وآلية العرض والطلب، لكن الدولة تتدخل (عبر مصرفها المركزي) حسب الحاجة من أجل توجيه أسعار الصرف في اتجاهات معينة من خلال التأثير في حجم العرض أو الطلب على العملات الأجنبية.

خفض قيمة العملة (التعويم) يمكن أن يُستخدم لعدة أهداف وله فوائد متعددة منها :
1. تعزيز التنافسية الصادراتية ، عند خفض قيمة العملة، يصبح السلع المصدرة من البلد المعني أرخص سعراً على الصعيد العالمي ، وهذا يمكن أن يجعل المنتجات المصدرة أكثر تنافسية وجاذبية في الأسواق العالمية، مما يدعم النمو الاقتصادي.
2.تحسين الرصيد التجاري ، إذا كانت البلد تعتمد بشكل كبير على الواردات، فخفض قيمة العملة يمكن أن يعزز التصدير أكثر مما يقلل من الاعتماد على الواردات مما يؤدي إلى تحسين الرصيد التجاري.
3.زيادة الإيرادات السياحية ، قد يؤدي خفض قيمة العملة إلى جعل البلد جذاباً للسياح، حيث يمكن للزوار الحصول على قيمة أفضل لأموالهم عند التبادل العملات.
4.تحفيز الصناعات المحلية ، فربما يشجع خفض قيمة العملة الصناعات المحلية على الاستثمار في الإنتاج المحلي بدلاً من الاعتماد على الواردات.
5.تعزيز النمو الاقتصادي ، ففي بعض الحالات، يمكن أن يؤدي خفض قيمة العملة إلى زيادة النشاط الاقتصادي وخلق فرص العمل.
ومع ذلك يجب مراقبة هذه الخطوة جيدًا حيث من الممكن أن تتسبب في تضخم الأسعار أو زيادة ديون البلاد وهذا يتطلب توازنًا حكيمًا في استخدام سياسات تخفيض العملة.

بعض الدول المدينة والتي تعاني من ضعف اقتصادي تلجأ إلى خفض قيمة عملتها كإحدى السياسات الاقتصادية المحتملة ، في محاولة لتحفيز النمو الاقتصادي وتحسين وضعها المالي ، حيث أن خفض قيمة العملة يمكن أن يساعد الدول ذات الديون الكبيرة أو التي تواجه صعوبات اقتصادية على تحسين تنافسيتها في الأسواق العالمية وزيادة صادراتها، مما يمكن أن يؤدي إلى زيادة الإيرادات وتحسين ميزانها التجاري ، ولكن قد ينطوي تخفيض قيمة العملة على مخاطر مثل ارتفاع الأسعار الداخلية والتضخم، وزيادة تكلفة الديون الخارجية، وهبوط قوة الشراء للمواطنين داخل البلد ، لذا استخدام هذه السياسة يتطلب توازناً حكيماً ومراعاة للعواقب المحتملة.
وقد دافع منظرو المدرسة النقدية في الاقتصاد (ميلتون فريدمان نموذجا) عن تعويم العملات، زاعمين أن تحرير أسعار الصرف سيجعلها تعكس الأساسيات الاقتصادية لمختلف البلدان (النمو، الرصيد التجاري، التضخم، أسعار الفائدة)، وسيقود ذلك بالتالي إلى إعادة التوازن للعلاقات التجارية وحسابات المعاملات الجارية باستمرار وبشكل آلي ، ولكن وبعد عدة عقود من اعتماد أنظمة أسعار الصرف العائمة وتعميمها على عدد كبير من بلدان العالم لم يتمكن تعويم العملة من إعادة التوازن إلى الموازين التجارية عالمياً ، فأسعار الصرف الجارية ابتعدت كثيرا عن المستوى الذي من المفترض أنه يقود إلى التوازن، وبدلا من أن يضمن تعويم العملات إعادة التوازن للعلاقات التجارية الدولية، عرف العالم حالة من عدم الاستقرار النقدي بسبب التقلبات المستمرة لأسعار الصرف ومعدلات تغيرها الكبيرة ، كما أن الخفض الحاد أو المفاجئ لقيمة العملة قد يحمل عدة جوانب وعواقب سلبية تؤثر على الاقتصاد بشكل كبير، ومن هذه الجوانب:
* التضخم ، حيث أن خفض قيمة العملة قد يؤدي إلى زيادة الأسعار في البلد بسبب ارتفاع تكلفة الواردات مما يتسبب في ارتفاع الأسعار وتدهور قوة الشراء للمواطنين.
* ارتفاع تكلفة الديون الخارجية ، فقد يؤدي تخفيض قيمة العملة إلى زيادة تكلفة سداد الديون الخارجية للبلد نتيجة لزيادة قيمتها بالعملة المحلية.
* عدم الاستقرار الاقتصادي ، الذي يمكن أن يؤدي إلى عدم الاستقرار الاقتصادي نتيجة للتقلبات السريعة في الأسعار والأسواق المالية.
* تأثير على الدخل الثابت ، فمن الممكن أن يتأثر الأشخاص الذين يعتمدون على الدخل الثابت بسبب زيادة التكاليف وتدهور القوة الشرائية للعملة.
* الاضطرابات الاجتماعية ، بسبب التدهور الاقتصادي الناتج عن خفض قيمة العملة الذي يؤدي إلى احتمالية زيادة الاضطرابات الاجتماعية نتيجة للضغوط الاقتصادية على المواطنين.
لذا، يتطلب تخفيض قيمة العملة التوازن والحكمة لتجنب الآثار السلبية الخطيرة وضمان استقرار الاقتصاد ورفاهية المواطنين.

وهناك عدة دول قامت بخفض قيمة عملتها في مراحل مختلفة ولأسباب متعددة :
_الصين ، قامت في عدة مرات بخفض قيمة اليوان لتعزيز تنافسية الصادرات ودعم النمو الاقتصادي.
_تركيا ، قامت بخفض قيمة الليرة في بعض الأحيان لمواجهة الصعوبات الاقتصادية وتحفيز النمو الاقتصادي.
_الهند ، اتخذت في بعض الأحيان إجراءات لتخفيض قيمة الروبية ، بهدف تعزيز الصادرات ودعم القطاعات الاقتصادية المحلية.
_مصر ، عملت على خفض قيمة الجنيه في بعض الحالات لتعزيز التصدير وتحسين الرصيد التجاري.
_الأرجنتين ، واجهت صعوبات اقتصادية متكررة ولجأت في بعض الأحيان إلى خفض قيمة البيزو الأرجنتيني لمواجهة هذه التحديات.

وقد يكون لدى دول أخرى تاريخ من خفض قيمة عملتها لأسباب محددة لوضعها الاقتصادي والمالي.

وختاماً ، مصطلح خفض قيمة العملة أو تعويم العملة ليس مصطلحًا حديثًا ، بل ظهر في سياقات اقتصادية منذ فترة طويلة ، واستخدمت هذه السياسة النقدية والاقتصادية في فترات مختلفة وبوجه عام تعتبر من السياسات الاقتصادية الكلاسيكية التي تلجأ إليها البنوك المركزية والحكومات في العديد من الأزمات الاقتصادية ، ومنذ القرن التاسع عشر وحتى الآن، تم استخدام فكرة خفض قيمة العملة أو تعويمها في سياقات مختلفة، سواء لتحسين التنافسية الصادراتية، مكافحة الكساد الاقتصادي، التحكم في السيولة المالية، أو حتى للتعامل مع أزمات الديون والتضخم.

وعلى ذلك .. فإن مفهوم خفض قيمة العملة له تاريخ طويل وظهر في سياقات مختلفة على مدار الزمن لتحقيق أهداف اقتصادية محددة.

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
إدارة التحرير

القوالب التكميلية للأخبار