• ×
الإثنين 16 يونيو 2025 | 06-15-2025

اليوفوريا .. عندما تلامس الموسيقى المشاعر

اليوفوريا .. عندما تلامس الموسيقى المشاعر
0
0
الآن - في لحظة معينة، قد تمر بنا نغمة موسيقية، أو مقطع من أغنية، فنشعر بقشعريرة تلامس الجلد، أو دمعة تفرّ من العين بلا استئذان، أو ارتعاشة خفيفة تسري في العمود الفقري، ونكاد نغيب عن الوعي من شدّة التأثر ، تلك اللحظة الفريدة تُعرف باسم “اليوفوريا الموسيقية” — وهي حالة نادرة وعميقة من النشوة العاطفية التي يمكن أن تثيرها الموسيقى في النفس البشرية.

“يوفوريا” تعني النشوة أو السعادة الغامرة ، وعندما ترتبط بالموسيقى، فإنها تصف تلك الحالة من الاندماج الكلي والانغماس العاطفي حين تصل الموسيقى إلى أعمق أعماق الإنسان، فتُوقظ فيه مشاعر قد تكون دفينة أو منسية، وتلامس حنيناً، أو حلماً، أو ذكرى.

تشير الأبحاث العلمية إلى أن هذه الحالة ترتبط بتحفيز مركز المكافأة في الدماغ، وهو نفس المركز الذي ينشط عند تناول الشوكولاتة أو الشعور بالحب ، يُفرز الجسم في تلك اللحظة الدوبامين — هرمون السعادة — وهو ما يفسر الشعور المفاجئ بالانتعاش أو الارتياح العميق.

يقول لودفيغ فان بيتهوفن في هذا السياق : الموسيقى هي وحيٌ أعلى من كل حكمة وفلسفة.” ، وكأنه يؤكد أن ما تفعله الموسيقى بالروح، لا تستطيع الحكمة ولا الكلمات بلوغه.

وبالتأكيد ليست كل الموسيقى قادرة على إثارة اليوفوريا، فالأمر يعتمد على عوامل معقدة ، مثل التجربة الشخصية ، بعض المقطوعات ترتبط بذكريات حميمة ، والبنية الموسيقية ، خلال تصاعد مفاجئ في اللحن، أو صمت مدروس، أو تبدل غير متوقع في الإيقاع، قد يخلق صدمة جمالية إيجابية ، كما أن الحالة النفسية ، واستعداد المستمع العاطفي يجعل التجربة أكثر قابلية للانغماس.
لخّص ذلك فريدريك شوبان بقوله: "أنا أعجَز عن التعبير بالكلمات، لذا أتحدث بالموسيقى.” ، الموسيقى، في لحظة صدق، قد تقول ما تعجز عنه النفس نفسها.

ورغم أن البعض يختبرون هذه الحالة بانتظام، هناك من لا يشعر بها إطلاقاً ..!
تُعرف هذه الظاهرة بـ”anhedonia الموسيقية” — وهي عدم القدرة على التلذذ بالموسيقى ، لكنها ليست عيباً، بل تباين طبيعي في الطريقة التي يتفاعل بها الدماغ مع المحفزات العاطفية ، وفي هذا السياق، يشير إيغور سترافينسكي إلى حقيقة مثيرة ؛"الموسيقى لا تُعبّر عن شيء؛ هي نفسها الشيء الذي يجب أن يُعاش.” ، ربما على بعضنا فقط أن يعيشها، دون تحليل، كي يشعر بها بعمق.

قوة الموسيقى تكمن في كونها لغة عالمية لا تحتاج إلى ترجمة ، لا يهم إن كنت لا تفهم كلمات الأغنية، فالنغم وحده قادر على أن يتسلل إلى وجدانك ويوقظ ما لا تستطيع الكلمات لمسه ، هانز زيمر، المؤلف الموسيقي الشهير في عالم السينما عبّر عن ذلك بقوله : "الموسيقى تذهب إلى حيث لا تستطيع الكلمات أن تصل.”، وهذا يفسر كيف يمكن لموسيقى فيلمٍ ما أن تحرّكك أكثر من الحوار نفسه .

اليوفوريا الموسيقية ليست لحظة عابرة من المتعة، بل تجربة روحية خالصة ، هي حالة من التوحّد مع الجمال، حين يصبح الإنسان هو اللحن، والصمت الذي بين النغمات، والنشوة التي لا تُقال .

في عالم يغمرنا فيه الضجيج، قد تكون لحظة صادقة مع مقطوعة موسيقية هي كل ما نحتاجه لنتذكر من نكون ، وأن داخل كل واحد منا نغمة تنتظر أن تُعزف