• ×
الثلاثاء 1 يوليو 2025 | 06-30-2025

الدجالون والمشعوذون والعرّافون في مواقع التواصل .. استغلال الأزمات لبث الخوف

الدجالون والمشعوذون والعرّافون في مواقع التواصل .. استغلال الأزمات لبث الخوف
0
0
الآن - في فترات الأزمات، مثل الجائحات أو الأزمات الاقتصادية والسياسية، يظهر الدجالون على مواقع التواصل الاجتماعي، بحسابات تدّعي قدرات خارقة في التنبؤ أو “حل” المشكلات عبر الرؤى أو الطقوس المبهمة ، ولا يهدف هؤلاء إلا إلى كسب المال واستغلال هشاشة الجمهور.
وفي طليعة هؤلاء ، الدجالون والمشعوذون والعرّافون الذين يعيدون إنتاج أساليب قديمة في ثوب رقمي حديث ، تقوم بصناعة الوهم في لحظات الضعف ، ومع تصاعد الأزمات، سواء كانت صحية مثل الجائحات، أو سياسية واقتصادية، أو حتى كوارث طبيعية، تظهر بشكلٍ متزامن حسابات وأشخاص يدّعون القدرة على التنبؤ بالمستقبل، أو “حلّ” المشكلات عبر وسائل غامضة من الشعوذة والطاقة والاتصال بالجنّ.
هذه الحسابات لا تطرح حلولاً حقيقية، بل تستغل ضعف الناس وحيرتهم لبناء جمهور يصدق ويدفع، ويُعاد توجيهه لاحقاً نحو خدمات “مدفوعة” مليئة بالخداع.

الخوف سلعة رائجة وتجارة مُربحة ، في عالم السوشيال ميديا، والدجالون يعرفون جيداً كيف يضخمونها ، يستخدمون عبارات غامضة مثل: “شهر قادم سيكون كارثياً”، أو “رأيت رؤية مرعبة تخص بلاداً معينة”، دون أي سند علمي أو ديني ، فيقوم المتابعون بمشاركة هذه المنشورات، مما يزيد من انتشارها وتأثيرها.

للتكنولوجيا دور في تعزيز هذا الخداع حيث يستخدم المحتالون الآن تقنيات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي لإنشاء فيديوهات مزيفة (deepfakes) تظهر أشخاصًا معروفين يروّجون لخدمات وهمية ، يشرح الخبير نيك ستابلتون: «Deepfakes تعمل بشكل ممتاز لأن كثيراً من المستخدمين لا يعرفون ما الذي يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي ، ويعتقدون أن الفيديو حقيقي» .

أمّا كلفتها الاقتصادية والاجتماعية ، بحسب تقرير Time، فقد خسر المستهلكون الأمريكيون نحو 10 مليارات دولار في 2023 جرّاء الاحتيال عبر قنوات متعددة، منها مواقع التواصل ، هذه الأرقام تعكس ما طال المجتمع العربي من استغلال لحالات القلق واليأس ، كما قدّرت بريطانيا الخسائر بسبب هذا النوع من الخداع بعشرات الملايين من الجنيهات.

يقول أستاذ علم الاجتماع رشاد عبداللطيف ، العضو بالجمعية الدولية للاخصائيين الاجتماعيين بالولايات المتحده الامريكية ؛ "إن الجهل العلمي والديني، وقلة الوعي، إلى جانب صعوبات الحياة تدفع الناس للجوء إلى الشعوذة ،
كما أشارت د. سوسن فايد أستاذة علم النفس في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية المصرية والمتخصصة في بحوث الاتصال الجماهيري والثقافة : " إلى أن البعض ينطوي تحت ضغط نفسي، أو توقّع حلول سريعة، فيقع فريسة للأوهام ،
وبحسب تقارير عالمية، الاستغلال النفسي يتكاثر في حالات الشعور باليأس أو الحاجة المستعجلة، ويعجز الفرد عن التمييز نتيجة ذلك ،
وفي الأوساط الأكاديمية، يُشير الباحث إميليو فيرّارا إلى أن منصات التواصل توفر بيئة مثالية لنشر التضليل وتنظيم الحملات الإلكترونية التي تؤجج الخوف والقلق، خاصّة في أوقات الأزمات .

اللوم لا يقع فقط على هؤلاء المضللين، بل أيضاً على المستخدمين الذين يتفاعلون دون تحقق، وينقلون الإشاعات والأكاذيب دون تمحيص.
كما أن بعض المنصات الرقمية لم تبذل الجهد الكافي لمكافحة هذا النوع من التضليل، رغم توفر أدوات لرصد المحتوى المضلل.

والحل لا يكون فقط بالإدانة، بل بتعزيز المناعة المجتمعية ، ونشر ثقافة التفكير النقدي، وتشجيع المؤسسات الإعلامية والدينية والتعليمية على فضح أساليب الشعوذة والخداع، وتوضيح الفرق بين الإيمان بالغيب – كجزء من العقيدة – وبين ادعاء علم الغيب، الذي يُعد كذباً وتدليساً ، وتشجيع المستخدمين على التبليغ عند التعرض لمحتوى مضلل، وفحص ما يشاركونه وفق مبادئ التفكير النقدي.

كما أن هناك حاجة لدور فاعل تجاه تلك المواقع ، من خلال سنّ قوانين تضعها تحت طائلة القانون والمساءلة الدولية وتجرّم سماحها لتلك الفئة بالظهور والنصب والشعوذة وبث الذعر والخوف والقلق بينهم ، العديد من الدول صنّفت الشعوذة عبر السوشيال ميديا جريمة جنائية، معتمدة قوانين لمنع الابتزاز المادي والجسدي .

من خلال الجمع بين الوعي الديني، المناعة الفكرية، والقوانين الفعّالة، يمكن الحد من تأثير هؤلاء المحتالين ، فالتصدي لشرَك الخوف والشعوذة مسؤولية جماعية تقع على عاتق كل فرد ومؤسسة، ولن ينفع المقام العشوائي أمام حرب التضليل المتقن .

وعلينا أن ندرك جيدًا ، أن العالم الرقمي ليس بمنأىً عن الاحتيال، بل هو بيئة خصبة له إذا غاب الوعي ، ومهمة كل فرد اليوم، مسؤولية جماعية تتمثل في التبليغ والتحذير، ورفض المشاركة في تداول المحتوى الزائف ، لأن من يسكت عن الدجّال، يساهم في تمكينه .