• ×
السبت 5 يوليو 2025 | 07-02-2025

"صوت العرب" .. حلم أُمّةٍ لا يموت

"صوت العرب" .. حلم أُمّةٍ لا يموت
0
0
 صوت العرب .. من القاهره

لم تكن هذه الجملة مجرّد افتتاح إذاعي في مساء يومٍ الرابع من يوليو 1953، بل كانت إعلانًا ميلاد صوتٍ سيعبر حدود الخرائط، ويتجاوز صدى الميكروفون، ليصل إلى ضمير الأمة العربية كلّها.
صوتٌ خرج من قلب العاصمة المصرية، لكن نبضه تردّد في الدار البيضاء، والموصل، ودمشق، وصنعاء... صوتٌ آمن أن الأمة العربية ليست مجموعة دول، بل شعبٌ واحد، وإن تعدّدت لهجاته، وتنوّعت جغرافيته.
حلم الوحدة يبدأ من موجة راديو

جاءت "صوت العرب" في لحظة فارقة من تاريخنا، إذ كانت الشعوب العربية تئن تحت نير الاستعمار، وتبحث عن الخلاص.
فجاء الراديو، ليس كوسيلة ترفيه، بل كسلاح للتحرّر.
بصوت أحمد سعيد، وبكلمات تصوغها أقلام ثائرة، وبتغطيات تسبق الحدث أحيانًا، تحوّلت الإذاعة إلى منصة نضال حقيقي.

لم تكن تنقل الأخبار فحسب، بل كانت تصنع الوعي.
تحدثت عن الثورة الجزائرية وكأنها معركة مصرية، وعن فلسطين وكأنها قلب القاهرة، وعن اليمن وكأنها قضية كل شاب عربي يحلم بالحرية.

التفّت الشعوب حول صوت العرب، لأنها كانت تتحدّث بلغة الحلم.
في المقاهي، في المنازل، في الشوارع، كان الراديو مفتوحًا... والعقول مفتوحة أكثر.
صوت طرد الاستعمار... لا مجرد إذاعة

ما ميّز "صوت العرب" لم يكن فقط قوتها التقنية أو شهرتها، بل روحها السياسية والمبدئية.
كانت إذاعة .. بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

دعمت نضال الجزائر، وكانت تذيع الرسائل من قلب المعركة.

وقفت إلى جانب سوريا عندما حاولوا كسر وحدتها.

بشّرت بالوحدة العربية في زمن كان فيه الحلم مشروعًا سياسيًا حقيقيًا.

نقلت الصوت وخطب الزعماء العرب، وخلقت شعورًا بالانتماء يتجاوز الحدود.

وفي لحظات الهزيمة والانكسار، خصوصًا بعد نكسة 1967، لم تتراجع صوت العرب، بل قاومت بالكلمة، وفتحت أثيرها لكل من يحمل أملاً.

انحسار الحلم... وانكفاء الصوت

لكن كما هو حال كل حلم كبير، لا بد من العثرات.
تغيّرت السياسة، وتفرّقت الصفوف، وأصبح لكل دولة "مشروعها الخاص"، وتبدّلت ملامح المشهد العربي.

أُضعف دور الإعلام لحساب إعلام السوق، وأصبح الصوت الذي كان يجمع العرب، غريبًا في عصر التشتت.
صوت العرب لم يمت، لكنه صار أشبه بمصاب في معركة خاسرة… يتنفس، لكنه يتألم.
المشاهد العربي لم يعُد ينتظر "حديث الشعوب" ولا "نداء التحرير"، بل أصبح يتلقى الرسائل من شاشات تُفتّت ما تبقى من الهوية.
غزة... حين يصبح الجرح اختبارًا للبقاء

وفي اللحظة العربية الأشد إيلامًا – ما يحدث في غزة اليوم – يظهر الفرق.
فبينما تقصف الطائرات، ويُقتل الأطفال، ويُحاصر الحلم الفلسطيني، يُطرح السؤال القديم من جديد:

أين صوت العرب؟
هل خفت؟ أم سُكّت؟ أم صار من الماضي؟

في الحقيقة… صوت العرب ليس مجرد إذاعة، بل هو رمز لروح عربية واحدة، إذا غابت ماديًا، فإنها لا تموت معنويًا.

وإن كان حلم الوحدة قد تراجع، فإن الحنين ما زال حاضرًا.
وإن كان الإعلام اليوم أكثر تشظّيًا، فإن الشارع العربي لا يزال يبحث عن صوت يشبهه.

فكرة قد تخبو... ولكن لا تموت

"صوت العرب" اليوم لا يقف عند تردد إذاعي، بل يعيش في كل مؤمن بأن العروبة ليست وهماً، بل رابطة.
في كل شاب يُدافع عن قضية فلسطين، في كل إعلامي يرفض أن يكون تابعًا، في كل مبدع يكتب أو يلحن أو يرسم من أجل الوعي.

هي فكرة، والفكرة لا تُهزم.

وربما كانت غزة اليوم – بدمها وألمها وصمودها – فرصة لإعادة المعنى.
ربما ما نحتاجه الآن ليس فقط أن نستعيد موجة إذاعية، بل أن نُشعل شعلة الإيمان بأن الأمة يمكن أن تتكلم مرة أخرى بصوتٍ واحد.

خاتمة:
من القاهرة... هنا صوت العرب.
صوتٌ خرج ذات يوم ليحلم، فأيقظ أمة.
واليوم، وإن خفت الصوت قليلًا، فإن الصدى لا يزال قائمًا .. في القلب، في الذاكرة، وفي كل شرفة يطل منها عربيّ على نشرة أخبار غزة، ويقول لنفسه: "كنا يومًا أمة .. وسنكون."



* الكاتب الإذاعي/شريف عبد الوهاب
رئيس الشعبه العامه للاذاعيين العرب بالاتحاد العام للمنتجين العرب