• ×
الإثنين 18 أغسطس 2025 | 08-17-2025

من أنا .. هل سألت نفسك هذا السؤال يوماً ؟!

من أنا .. هل سألت نفسك هذا السؤال يوماً ؟!
0
0
الآن - في لحظة هدوء نادرة، وسط ضجيج العالم وركض الحياة المتواصل، قد يمر في ذهنك سؤال عابر لكنه عميق ؛ " من أنا ..؟ "
قد تظن أن الإجابة جاهزة: “أنا فلان بن فلان، أعمل كذا وأسكن هناك” ، وقد يبدو هذا السؤال بسيطًا في ظاهره، لكنه من أعمق وأعقد الأسئلة التي يمكن للإنسان أن يطرحها على نفسه ..
لو توقفت قليلًا، وتأملت في الجواب، ستكتشف أنه لا يلامس الحقيقة الكاملة.

فهل أنت فعلاً مجرد اسمك ووظيفتك؟ .. أم أن هناك شيئًا أعمق من ذلك كله؟

الهوية ليست بطاقة تعريف نحملها في جيوبنا، وليست مجرد اسم أو مهنة أو جنسية ، "من أنا؟” ، سؤال يطرق أبواب الذات يدعونا إلى رحلة داخل النفس، لاكتشاف جوهرنا الحقيقي بعيدًا عن المظاهر، والأدوار الاجتماعية ..
هل أنا ما أفعله؟ .. هل أنا ما أملكه؟ .. هل أنا ما يراه الناس فيّ ؟..
الإجابات السطحية لا تشبع هذا السؤال العميق ، ففي كل مرحلة من حياتنا قد نعيد طرحه بصيغة جديدة، ونكتشف جوانب مختلفة من ذواتنا لم نكن نعرفها من قبل.

هو سؤال الهوية، سؤال الروح، سؤال الوعي وليس سؤالًا فلسفيًا فقط، بل سؤالًا وجوديًا يمس كل جانب من جوانب حياتنا ، وهو ليس علامة على التيه، بل بداية الوعي ، نبدأ في طرحه، فنخطو أولى خطواتنا نحو فهم أعمق لذواتنا.
ربما نكتشف أننا نعيش وفق توقعات الآخرين، أو أننا نمارس عملاً لا نحبّه، أو أننا نحمل قناعات ليست لنا، بل ورثناها أو تبنيناها دون تفكير.

الرحلة نحو الذات تتطلب صدقًا وشجاعة ، أن تنظر في المرآة دون أقنعة ، أن تواجه ضعفك وهواجسك ، وتحتضن أحلامك وطموحاتك دون خجل ، هي ليست رحلة سريعة، بل مسار طويل قد يتغيّر فيه تعريفك لنفسك أكثر من مرة.
وحين لا نعرف أنفسنا، نكون عُرضة لأن نُشكّل وفق توقعات الآخرين، ونعيش حياتنا لأجل رضا الناس لا رضا الذات.

في القرآن الكريم.. نداء للوعي ، الله تعالى يخاطب الإنسان في مواضع عديدة ليوقظه من غفلته ويذكّره بحقيقته: "وفي أنفسكم أفلا تبصرون" ، هذه الآية تدعونا للتأمل في أنفسنا، لفهم من نكون، وما الذي نحمله من إمكانيات وقدرات وكنوز دفينة.

رحلة البحث عن الذات ليست نزهة، بل مسيرة مليئة بالتساؤلات، وربما الألم، وربما التغيير ، لكنها في النهاية، تقودك إلى السلام.
أن تعرف من أنت، يعني أن تبدأ في العيش بصدق، أن تختار ما يليق بك، أن تقول “لا” لما لا يُشبهك، وأن تُقبِل على ما يُرضي جوهرك لا صورتك أمام الآخرين ، يقول أحدهم : "رحلتُ من العالم الخارجي إلى داخلي، فوجدت عالماً لا نهاية له.”

جميعنا ، لا نملك إجابة نهائية لهذا السؤال، وربما لا نحتاج إليها ، لكن إدراكنا بأننا في بحث دائم يمنح لحياتنا عمقًا ومعنى ، فكل تجربة، وكل فشل، وكل انتصار، هو لبنة في بناء هويتنا.

وفي نهاية المطاف، أنت لست مجرد اسم، أو مهنة، أو صفة ، أنت مجموعة من التجارب، المشاعر، القيم، والتساؤلات ، أنت الكائن القادر على النمو، والتغيّر، والتطور وإعادة التعريف متى أراد.

تشعر في مرحلة من حياتك بالتشتّت أو الضياع ، وهذا أمرٌ طبيعي ، فالشعور بالحيرة أحيانًا هو أول علامات الوعي ، وحين تسأل نفسك: من أنا ؟.. ما الذي يسعدني فعلاً ؟.. هل أعيش كما أريد، أم كما يريد الآخرون ؟
فأنت بذلك تضع قدميك على بداية الطريق ، فلا تتوقف عن السؤال ، واعلم أن الإجابة ليست ثابتة ، فأنت تنمو، تتطور، تتغير ، وكل مرحلة من حياتك تكشف لك جزءًا جديدًا من ذاتك.
لا تخف من التغيير، ولا تهرب من الأسئلة ، بل واجهها، لأن في عمقها يكمن المفتاح ، و“من عرف نفسه، عرف ربه” - مقولة مأثورة عظيمة المعنى - لأن معرفة النفس طريق لفهم الحياة والغاية منها.

تأمّل وخذ دقائق عند المساء، واجلس مع نفسك واسألها :
- من أنا بعيدًا عن كل ما أملك؟
- من أريد أن أكون ؟
- هل ما أفعله اليوم يقرّبني من نفسي، أم يُبعدني عنها؟

اجعل من هذه الأسئلة عادة ، وتذكَّر دائماً أن الوعي بداية .