• ×
الثلاثاء 16 سبتمبر 2025 | 09-15-2025

رنا جبران .. ممثلة الدور الأصعب في مسلسل “أمي”

رنا جبران .. ممثلة الدور الأصعب في مسلسل “أمي”
0
0
الآن -

انتهى مساء أمس عرض الحلقة الأخيرة من مسلسل “أمي”، العمل الدرامي الذي لم يكتفِ بجذب المشاهد، بل هزّ وجدانه أيضًا.
عملٌ درامي خالص، لا يُهادن الواقع ولا يُجمّله، جاء بمثابة مرآة لحقيقةٍ قاسية تعيشها كثير من النساء والفتيات خلف الأبواب المغلقة.

ورغم أن قصة المسلسل مستوحاة من عمل سابق، إلا أنها خرجت في قالب جديد، مُوجع بقدر ما هو صادق، يلامس تفاصيل الحياة اليومية لضحايا العنف الأسري، ويقدّم شخصياته بنضج درامي وإنساني عالٍ.
ومع كل هذا، تظل شخصية “الأم”، التي أدّتها الممثلة رنا جبران، هي الأكثر تعقيدًا، والأكثر إثارة للتساؤل ..!

وجه أمٍ لا يُشبه الأمومة ، “رنا جبران” لم تُقدّم دورًا اعتياديًا ، بل قدّمت شخصية امرأة مسحوقة، معنّفة نفسيًا وجسديًا، أمّ تاهت عن دورها تحت وطأة الخوف، الإكراه، والخذلان.
ولم يكن من السهل أبدًا أن تؤدي دورًا لأمٍ لا تحضن، لا تحمي، ولا تحتج، بل تقف متفرّجة على كسر ابنتها، وتُصبح أداة في يد معنّفها.

الجمهور لم يرَ “أم بسمة” فقط، بل رأى “كل أم معنفة” فقدت صوتها وملامحها وهويتها، وتحوّلت إلى كائن يخشى الظل ويخضع للرعب.
"رنا جبران" لم تُمثل هذه الحالة .. بل عايشتها .

أن تصل شخصية ما إلى المشاهد دون أن تنطق، فهذه موهبة لا تُدرّس.
وفي مشاهد “الصمت”، حيث الكلمات لا تخرج، كانت تعابير وجه رنا جبران تقول كل شيء: عن القهر، الذل، التردد، والندم ، ليكون الأداء النفسي قبل الجسدي ..
ملامحها كانت منهكة، صوتها خافت، وانطفاء عينيها كان أبلغ من عشرات الصفحات من الحوار. تحوّلت الشخصية من أمٍ إلى شبح، تلهث خلف رضا الزوج الجلاد، تُجبر على العمل، تُسكت بأدوية المهدئات، وتُجرد من حنانها.
وهذا الانسلاخ من الأمومة – الذي كان كفيلًا بجعل الجمهور يرفض الشخصية – قُدم على يد جبران بطريقة جعلت المشاهد يتعاطف بدلاً من أن يدين. وهذه معادلة صعبة لم تكن لتتحقق إلا بقدرة تمثيلية عالية.

شخصية “أم بسمة” ليست من وحي الخيال فقط؛ إنها توثيق حيّ لأصوات نساء كُثُر، لم يُسمع لهن، ولم يُنصفن ، ورنا جبران لم تكن تؤدي دورًا ، بل كانت تُعيد رواية حكاياتهن، بحسٍّ عالٍ من الصدق والالتزام.
لقد كانت ممثلة تؤدي الدور الأصعب ، أن تُجسّد أمًا لم تعد تملك من الأمومة سوى الاسم، وأن تبرّر ضعفها دون أن تسوّغه، وأن تظهر في كامل الوجع دون أن تفقد مصداقيتها.

بعد هذا العمل، من الصعب أن ننسى رنا جبران. ليس فقط لأنها مثّلت، بل لأنها تحوّلت ، اختفت خلف الشخصية حتى لم نعد نراها، بل رأينا تلك الأم التي فقدت القدرة على الدفاع عن طفلتها، وفقدت ذاتها قبل أن تفقد بيتها في أداء لا يُنسى أبدًا .

"رنا" رفعت سقف التمثيل النسائي في الدراما السعودية والخليجية والعربية أيضًا ، وقدّمت درسًا في كيفية أداء الشخصيات الصامتة الصارخة في آنٍ واحد.
مسلسل “أمي” انتهى، لكن “أم بسمة” ستظل باقية في الذاكرة .. كواحدة من أكثر الشخصيات إيلامًا وإنسانية، والفضل في ذلك يعود إلى أداء رنا جبران، ممثلة الدور الأصعب .