القمة العربية الطارئة في الدوحة: قمة تضامن أم قمة مواقف؟

09-13-2025 10:34 صباحاً
0
0
بقلم الاذاعي والكاتب/شريف عبد الوهاب
رئيس الشعبه العامه للاذاعيين العرب
منذ اللحظة التي أُعلن فيها عن انعقاد القمة العربية الطارئة في الدوحة، انطلقت الأسئلة في الأوساط السياسية والإعلامية والجماهيرية: هل ستكون هذه القمة مجرد مناسبة جديدة لإلقاء الخطب وإصدار البيانات المكررة التي اعتادت الشعوب سماعها في مثل هذه الأزمات؟ أم أننا أمام لحظة فارقة قد تشهد ترجمة عملية لفكرة التضامن العربي، بما يتجاوز حدود المواقف إلى دوائر الفعل والتأثير الحقيقي؟
خلفية الانعقاد ..
القمة الطارئة لم تأتِ من فراغ، بل فرضتها لحظة عربية دقيقة تتسم بالتصعيد الإسرائيلي المتواصل، وبالاعتداء الأخير الذي استهدف الدوحة، الدولة العربية التي ظلت لسنوات تلعب أدوارًا وسيطة في كثير من الملفات الإقليمية. هذا التطور مثّل صدمة ليس لقطر وحدها، بل للمنطقة العربية بأسرها، إذ كشف مجددًا أن الأمن العربي أصبح هشًّا أمام التهديدات الخارجية، وأن الانقسامات الداخلية لا تزال تضعف أي موقف جماعي.
ومن هنا اكتسبت القمة طابعها الطارئ: فهي ليست قمة دورية تُعقد وفق جدول مسبق، بل جاءت استجابةً مباشرة لحدث يهدد بنقل المنطقة إلى مرحلة جديدة من التوتر.
التضامن العربي بين المثال والواقع
على مدى عقود، رفعت القمم العربية شعار التضامن، لكن التطبيق العملي كان دومًا أقل من التوقعات. فالمصالح القُطرية كثيرًا ما تقدمت على الحسابات القومية، والانقسامات بين الدول العربية أدت إلى شلل المواقف الجماعية.
ومع ذلك، فإن فكرة التضامن لا تزال حاضرة في الوعي الجمعي العربي، خصوصًا في لحظات الخطر. فالشعوب تتطلع دائمًا إلى أن ترى قادتها يتحركون بروح واحدة، ويواجهون التحديات بصفٍ موحّد. وفي هذا السياق، فإن قمة الدوحة الطارئة تحمل مسؤولية مضاعفة: فهي ليست فقط اختبارًا لموقف سياسي آنٍ، بل اختبار لجدوى مفهوم التضامن العربي ذاته.
المواقف العربية: بين البيانات والفعل
منذ حرب 1948 وحتى اليوم، اعتادت الشعوب أن تسمع بيانات الشجب والتنديد. بيانات قوية في صياغتها، لكنها ضعيفة في أثرها. ولذلك نشأ مصطلح "قمة المواقف" باعتبار أن القمم العربية غالبًا ما تتوقف عند مستوى التصريحات دون أن تنتقل إلى مستوى الإجراءات.
لكن خصوصية الوضع الحالي تجعل السؤال أكثر إلحاحًا: هل يمكن الاكتفاء بالشجب بينما تُستهدف عاصمة عربية وتُهدد القضية الفلسطينية بالاندثار؟ أليس من الضروري أن تتحول المواقف إلى سياسات واضحة، وأن تُترجم البيانات إلى قرارات عملية تردع المعتدي وتطمئن الشعوب؟
بين قطر وغزة: وحدة المصير ..
لا يمكن قراءة القمة الطارئة بمعزل عن ما يجري في غزة. فالمعادلة واضحة: العدوان الذي يستهدف قطر اليوم ليس إلا امتدادًا لنهج طويل استهدف فلسطين بالأمس، وقد يستهدف دولًا عربية أخرى غدًا. ومن ثم، فإن الدفاع عن قطر هو في جوهره دفاع عن غزة، وعن فلسطين، وعن كل دولة عربية مهددة.
إن وحدة المصير العربي لم تعد مجرد شعار بل واقع تفرضه الأحداث. فالتجزئة لم تعد تحمي أحدًا، والرهان على القوى الكبرى أثبت محدوديته. ومن ثم، فإن القمة الطارئة قد تكون فرصة نادرة لإعادة صياغة معادلة الأمن العربي على أسس جديدة.
التحديات أمام القمة..
مع ذلك، لا يمكن إنكار أن القمة تواجه تحديات جسيمة:
-الانقسام العربي: الخلافات السياسية بين بعض الدول العربية لا تزال عميقة، وقد تعيق التوصل إلى موقف موحد.
-الضغوط الدولية: الولايات المتحدة والغرب عمومًا يميلون إلى دعم إسرائيل، ما يجعل أي تحرك عربي جماعي عرضة لقيود خارجية.
-غياب الآليات التنفيذية: حتى لو صدرت قرارات قوية، فإن المشكلة المزمنة تكمن في عدم وجود آليات عربية ملزمة لتنفيذها.
-فجوة الثقة مع الشعوب: الشارع العربي فقد جزءًا كبيرًا من ثقته في جدوى القمم، وبالتالي فإن أي بيان إنشائي سيُقابل بالرفض أو اللامبالاة.
ما المطلوب من القمة ؟..
لكي تكون قمة الدوحة قمة تضامن حقيقية، هناك جملة من الخطوات الضرورية:
-إعلان موقف عربي موحد يرفض بشكل قاطع الاعتداء الإسرائيلي على أي دولة عربية.
-تفعيل منظومة الأمن القومي العربي عبر اتفاقيات دفاع مشترك تُعيد للدول العربية ثقتها في حماية بعضها البعض.
-اتخاذ خطوات عملية لدعم غزة، ليس فقط عبر المساعدات الإنسانية، بل من خلال تحرك سياسي جماعي يفرض على المجتمع الدولي الاعتراف بالحقوق الفلسطينية.
-إعادة بناء الثقة مع الشعوب عبر خطاب صادق وقرارات قابلة للتنفيذ، بعيدًا عن اللغة الإنشائية التقليدية.
بين الرمزية والفاعلية..
قد يقول البعض إن القمة مجرد حدث رمزي، لكن الرمزية في السياسة ليست أمرًا ثانويًا. فالاجتماع العربي الطارئ يحمل رسالة واضحة للعالم: أن العرب، رغم خلافاتهم، قادرون على الاجتماع عندما يتعرض أحدهم للخطر. ومع ذلك، فإن الرمزية وحدها لا تكفي؛ فالتاريخ لا يرحم، والشعوب لن تغفر التراخي في لحظات المصير.
القمة العربية الطارئة في الدوحة تقف عند مفترق طرق. إما أن تكون قمة تضامن حقيقية تدخل التاريخ باعتبارها لحظة استعادة الوعي العربي والقدرة على الفعل، وإما أن تكون مجرد قمة مواقف أخرى تُضاف إلى أرشيف البيانات الإنشائية.
وفي النهاية، يبقى السؤال معلقًا: هل يتجاوز القادة العرب هذه المرة حدود المواقف إلى فضاء التضامن العملي؟ أم سيظل حلم الوحدة والتكامل مجرد كلمات تُقال في المؤتمرات وتذروها الرياح بعد انفضاضها ؟
رئيس الشعبه العامه للاذاعيين العرب
منذ اللحظة التي أُعلن فيها عن انعقاد القمة العربية الطارئة في الدوحة، انطلقت الأسئلة في الأوساط السياسية والإعلامية والجماهيرية: هل ستكون هذه القمة مجرد مناسبة جديدة لإلقاء الخطب وإصدار البيانات المكررة التي اعتادت الشعوب سماعها في مثل هذه الأزمات؟ أم أننا أمام لحظة فارقة قد تشهد ترجمة عملية لفكرة التضامن العربي، بما يتجاوز حدود المواقف إلى دوائر الفعل والتأثير الحقيقي؟
خلفية الانعقاد ..
القمة الطارئة لم تأتِ من فراغ، بل فرضتها لحظة عربية دقيقة تتسم بالتصعيد الإسرائيلي المتواصل، وبالاعتداء الأخير الذي استهدف الدوحة، الدولة العربية التي ظلت لسنوات تلعب أدوارًا وسيطة في كثير من الملفات الإقليمية. هذا التطور مثّل صدمة ليس لقطر وحدها، بل للمنطقة العربية بأسرها، إذ كشف مجددًا أن الأمن العربي أصبح هشًّا أمام التهديدات الخارجية، وأن الانقسامات الداخلية لا تزال تضعف أي موقف جماعي.
ومن هنا اكتسبت القمة طابعها الطارئ: فهي ليست قمة دورية تُعقد وفق جدول مسبق، بل جاءت استجابةً مباشرة لحدث يهدد بنقل المنطقة إلى مرحلة جديدة من التوتر.
التضامن العربي بين المثال والواقع
على مدى عقود، رفعت القمم العربية شعار التضامن، لكن التطبيق العملي كان دومًا أقل من التوقعات. فالمصالح القُطرية كثيرًا ما تقدمت على الحسابات القومية، والانقسامات بين الدول العربية أدت إلى شلل المواقف الجماعية.
ومع ذلك، فإن فكرة التضامن لا تزال حاضرة في الوعي الجمعي العربي، خصوصًا في لحظات الخطر. فالشعوب تتطلع دائمًا إلى أن ترى قادتها يتحركون بروح واحدة، ويواجهون التحديات بصفٍ موحّد. وفي هذا السياق، فإن قمة الدوحة الطارئة تحمل مسؤولية مضاعفة: فهي ليست فقط اختبارًا لموقف سياسي آنٍ، بل اختبار لجدوى مفهوم التضامن العربي ذاته.
المواقف العربية: بين البيانات والفعل
منذ حرب 1948 وحتى اليوم، اعتادت الشعوب أن تسمع بيانات الشجب والتنديد. بيانات قوية في صياغتها، لكنها ضعيفة في أثرها. ولذلك نشأ مصطلح "قمة المواقف" باعتبار أن القمم العربية غالبًا ما تتوقف عند مستوى التصريحات دون أن تنتقل إلى مستوى الإجراءات.
لكن خصوصية الوضع الحالي تجعل السؤال أكثر إلحاحًا: هل يمكن الاكتفاء بالشجب بينما تُستهدف عاصمة عربية وتُهدد القضية الفلسطينية بالاندثار؟ أليس من الضروري أن تتحول المواقف إلى سياسات واضحة، وأن تُترجم البيانات إلى قرارات عملية تردع المعتدي وتطمئن الشعوب؟
بين قطر وغزة: وحدة المصير ..
لا يمكن قراءة القمة الطارئة بمعزل عن ما يجري في غزة. فالمعادلة واضحة: العدوان الذي يستهدف قطر اليوم ليس إلا امتدادًا لنهج طويل استهدف فلسطين بالأمس، وقد يستهدف دولًا عربية أخرى غدًا. ومن ثم، فإن الدفاع عن قطر هو في جوهره دفاع عن غزة، وعن فلسطين، وعن كل دولة عربية مهددة.
إن وحدة المصير العربي لم تعد مجرد شعار بل واقع تفرضه الأحداث. فالتجزئة لم تعد تحمي أحدًا، والرهان على القوى الكبرى أثبت محدوديته. ومن ثم، فإن القمة الطارئة قد تكون فرصة نادرة لإعادة صياغة معادلة الأمن العربي على أسس جديدة.
التحديات أمام القمة..
مع ذلك، لا يمكن إنكار أن القمة تواجه تحديات جسيمة:
-الانقسام العربي: الخلافات السياسية بين بعض الدول العربية لا تزال عميقة، وقد تعيق التوصل إلى موقف موحد.
-الضغوط الدولية: الولايات المتحدة والغرب عمومًا يميلون إلى دعم إسرائيل، ما يجعل أي تحرك عربي جماعي عرضة لقيود خارجية.
-غياب الآليات التنفيذية: حتى لو صدرت قرارات قوية، فإن المشكلة المزمنة تكمن في عدم وجود آليات عربية ملزمة لتنفيذها.
-فجوة الثقة مع الشعوب: الشارع العربي فقد جزءًا كبيرًا من ثقته في جدوى القمم، وبالتالي فإن أي بيان إنشائي سيُقابل بالرفض أو اللامبالاة.
ما المطلوب من القمة ؟..
لكي تكون قمة الدوحة قمة تضامن حقيقية، هناك جملة من الخطوات الضرورية:
-إعلان موقف عربي موحد يرفض بشكل قاطع الاعتداء الإسرائيلي على أي دولة عربية.
-تفعيل منظومة الأمن القومي العربي عبر اتفاقيات دفاع مشترك تُعيد للدول العربية ثقتها في حماية بعضها البعض.
-اتخاذ خطوات عملية لدعم غزة، ليس فقط عبر المساعدات الإنسانية، بل من خلال تحرك سياسي جماعي يفرض على المجتمع الدولي الاعتراف بالحقوق الفلسطينية.
-إعادة بناء الثقة مع الشعوب عبر خطاب صادق وقرارات قابلة للتنفيذ، بعيدًا عن اللغة الإنشائية التقليدية.
بين الرمزية والفاعلية..
قد يقول البعض إن القمة مجرد حدث رمزي، لكن الرمزية في السياسة ليست أمرًا ثانويًا. فالاجتماع العربي الطارئ يحمل رسالة واضحة للعالم: أن العرب، رغم خلافاتهم، قادرون على الاجتماع عندما يتعرض أحدهم للخطر. ومع ذلك، فإن الرمزية وحدها لا تكفي؛ فالتاريخ لا يرحم، والشعوب لن تغفر التراخي في لحظات المصير.
القمة العربية الطارئة في الدوحة تقف عند مفترق طرق. إما أن تكون قمة تضامن حقيقية تدخل التاريخ باعتبارها لحظة استعادة الوعي العربي والقدرة على الفعل، وإما أن تكون مجرد قمة مواقف أخرى تُضاف إلى أرشيف البيانات الإنشائية.
وفي النهاية، يبقى السؤال معلقًا: هل يتجاوز القادة العرب هذه المرة حدود المواقف إلى فضاء التضامن العملي؟ أم سيظل حلم الوحدة والتكامل مجرد كلمات تُقال في المؤتمرات وتذروها الرياح بعد انفضاضها ؟