• ×
الأحد 19 أكتوبر 2025 | 10-18-2025

السعودية وفرنسا أنقذا الحلم .. ومصر حمت الهوية

السعودية وفرنسا أنقذا الحلم .. ومصر حمت الهوية
0
0
 -

بقلم الإذاعي والكاتب شريف عبد الوهاب
رئيس الشعبة العامة للاذاعيين العرب


بعد شهورٍ من القصف الغاشم، وفي خضم الدمار الذي حلّ بقطاع غزة، والقتل غير المبرر، وانتهاك أبسط حقوق الإنسان، بدا وكأن حلم الدولة الفلسطينية يترنح، ويكاد يسقط في هاوية النسيان. كان المشهد دامياً: آلاف الضحايا من المدنيين، أغلبهم من النساء والأطفال، ومدنٌ تحولت إلى أنقاض، ومخيمات لاجئين تغص بالمهجرين، وعالمٌ يتابع بين عجزٍ وصمتٍ وازدواجية في المواقف.

لكن من بين ركام هذا الخراب، ولدت لحظة فارقة؛ لحظة أعادت إحياء الأمل الفلسطيني، حين اجتمع العالم في الأمم المتحدة في ذكراها الثمانين، ليقول بوضوح: إن حل الدولتين لم يمت، وإن الحلم الفلسطيني ما زال حيًا، مهما حاولت آلة الحرب طمسه.

وسط حالة الإحباط الدولي، جاء التحرك السعودي–الفرنسي ليكسر دائرة الجمود، ويضع ملف الدولة الفلسطينية مجددًا على الطاولة. فالمملكة العربية السعودية التي حملت دوماً على عاتقها القضية الفلسطينية باعتبارها قضية الأمة، تحركت هذه المرة بدبلوماسية هادئة وحاسمة، لتؤكد أن أمن المنطقة لن يتحقق إلا بإنهاء الاحتلال، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

أما فرنسا، فقدمت موقفاً نادراً في انسجامه مع المبادئ الإنسانية، لتعلن بجرأة أن بقاء الوضع الراهن ليس خياراً، وأن الحل الوحيد يكمن في الاعتراف بالحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني. ومن خلال المبادرة المشتركة، استطاع البلدان أن يجمعا حولهما أصوات عشرات الدول، شرقاً وغرباً، ويقودا موجة جديدة من الدعم الأممي لحل الدولتين.

واكتمل الموقف بالحضور المصري القوي، الذي أجهض واحدة من أخطر المحاولات في تاريخ الصراع: محاولة تهجير أهل غزة إلى سيناء. تلك الفكرة التي رُوجت على استحياء أولاً، ثم طُرحت كحلّ "إنساني" زائف، سرعان ما تحولت إلى كابوس يهدد الهوية الفلسطينية بالذوبان.

لكن مصر، بتاريخها ومكانتها، وقفت سدًا منيعًا، رافضة كل أشكال التهجير، مؤكدة أن القضية الفلسطينية هي قضية أرض وحق وهوية، لا قضية لاجئين يُنقلون من مكان إلى آخر. وفي كلمات واضحة، شدد الرئيس المصري على أن سيناء ليست بديلًا عن غزة، وأن أمن مصر القومي لا ينفصل عن حقوق الشعب الفلسطيني، وأن مصر التي دفعت دماءً غالية عبر حروبها مع الاحتلال لن تسمح بطمس الهوية الفلسطينية أو تصفية القضية تحت أي مسمى.

لم يكن اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في ذكراها الثمانين مجرد احتفال بروتوكولي؛ بل تحول إلى منصة لإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية. فالرئيسة الحالية للجمعية، بكلماتها المؤثرة، أكدت أن العالم لا يمكن أن يقف متفرجًا على مأساة غزة، وأن غياب العدالة في فلسطين هو جرح مفتوح في الضمير الإنساني.

هذه الكلمات، حين امتزجت مع مبادرة السعودية وفرنسا، ومع صلابة الموقف المصري، بدت كأنها إعلان جماعي بأن الحلم الفلسطيني لم يمت. وأن الطفلة "هند رجب" وغيرها من آلاف الأطفال الذين غابوا عن الحياة بسبب الحرب، حاضرة بصرخاتها في قاعة الأمم المتحدة، شاهدة على أن دماء الأبرياء ليست رخيصة.

لقد كان لافتًا أن العالم، رغم انقساماته، وجد نفسه في مواجهة سؤال أخلاقي صعب: هل يمكن أن يستمر الاحتلال إلى الأبد؟ ..
وهل يمكن أن يُترك شعبٌ بأكمله فريسة القصف والحصار دون أفق سياسي؟

المبادرة السعودية–الفرنسية أعادت طرح هذه الأسئلة بجرأة، ووضعت القوى الكبرى أمام مسؤولياتها. أما مصر، فذكّرت الجميع أن استقرار المنطقة يبدأ من فلسطين، وأن محاولات الحلول الجزئية أو الصفقات الملتوية لن تُكتب لها الحياة.

اليوم، ونحن نكتب عن غزة المكلومة، وعن آلاف الشهداء والجرحى، ندرك أن الطريق إلى الدولة الفلسطينية ما زال طويلاً وشاقًا. لكن ما حدث في الأمم المتحدة يعيد إلينا الثقة بأن صوت الحق يمكن أن يجد طريقه وسط ضجيج السلاح.

فالسعودية وفرنسا أعادتا إحياء الحلم على مستوى أممي، ومصر حمت هذا الحلم من التبديد عبر التهجير. أما الفلسطينيون أنفسهم، فهم الذين يدفعون الثمن يوميًا بدمائهم وصمودهم.

ربما يغيب الفلسطينيون واحدًا تلو الآخر تحت القصف، وربما تُهدم البيوت ويُحاصر الأمل، لكن الحلم يظل حاضرًا. الحلم الذي بدأ منذ أكثر من سبعة عقود، وتوارثته الأجيال، سيبقى ما بقيت الأرض، وما بقي هناك من يؤمن أن العدالة لا تموت.

إن ما جرى في الأمم المتحدة لم يكن مجرد جلسة أو كلمات تُقال ثم تُنسى؛ كان شهادة ميلاد جديدة لحل الدولتين، ورسالة واضحة أن العالم، رغم عجزه الطويل، ما زال قادرًا على إنقاذ ما تبقى من الحلم الفلسطيني.

فهل يتحول هذا الزخم إلى خطوات عملية على الأرض؟ ..
ذلك هو التحدي القادم، لكنه التحدي الذي صار ممكنًا بعد أن أنقذت السعودية وفرنسا الحلم من الموت، وحمته مصر من التهجير، وأعادته الأمم المتحدة إلى الحياة في ذكراها الثمانين.