• ×
الثلاثاء 14 أكتوبر 2025 | 10-13-2025

هل ينجح مؤتمر شرم الشيخ 2025 فيما فشلت فيه المؤتمرات السابقة ؟

هل ينجح مؤتمر شرم الشيخ 2025 فيما فشلت فيه المؤتمرات السابقة ؟
0
0
 -

منذ أكثر من سبعة عقود، والقضية الفلسطينية تتصدر أجندة السياسة العربية والدولية، وتظل محوراً للجدل والمفاوضات والوعود غير المنجزة.

شهد العالم عشرات المؤتمرات التي رُفعت فيها شعارات السلام والدعم، من مدريد وأوسلو إلى أنابوليس وواشنطن، مروراً بالقاهرة والدوحة وباريس ، غير أن معظم تلك المؤتمرات انتهت إلى بيانات ختامية جميلة الصياغة، لكنها فقيرة في التنفيذ ، واليوم، يُطِل مؤتمر شرم الشيخ 2025 برعاية أمريكية، وسط واقع فلسطيني مأزوم، وإقليمي مشتعل، وسؤال يفرض نفسه: هل ينجح هذا المؤتمر فيما فشلت فيه المؤتمرات السابقة؟

أولاً: خلفية عن المؤتمرات السابقة

منذ مؤتمر مدريد عام 1991 الذي جاء عقب حرب الخليج الأولى، وُضعت أسس المفاوضات المباشرة بين العرب وإسرائيل تحت رعاية دولية.
أعقب ذلك اتفاق أوسلو 1993 الذي أنشأ السلطة الفلسطينية، ووعد بإقامة دولة فلسطينية خلال خمس سنوات، وهو وعد لم يتحقق حتى اليوم ، ثم جاء اتفاق واي ريفر وكامب ديفيد الثانية وأنابوليس 2007 ومؤتمر باريس 2017، وكلها حملت عناوين برّاقة عن “حل الدولتين” و“السلام الشامل”، لكنها في الواقع لم تُحدث تحولًا حقيقيًا على الأرض.

السبب الجوهري وراء فشل تلك المؤتمرات كان غياب الإرادة السياسية الحقيقية، والانحياز الأمريكي الدائم لإسرائيل، إلى جانب انقسام الموقف العربي والفلسطيني، ما جعل المفاوض الفلسطيني يدخل كل جولة تفاوضية وهو أضعف من أن يفرض شروطه أو حتى يحافظ على ما تبقّى من حقوقه.

ثانياً: ما الذي يُميز مؤتمر شرم الشيخ 2025؟

مؤتمر شرم الشيخ الحالي يأتي في سياق دولي مختلف تمامًا عن مؤتمرات التسعينيات أو العقد الأول من الألفية الجديدة.
أولاً، المنطقة تشهد تحولات جيواستراتيجية كبرى: تصاعد نفوذ الصين وروسيا، تراجع الهيمنة الأمريكية، وظهور أدوار عربية جديدة تسعى إلى لعب وساطة متوازنة ، كما أن الحرب في غزة وما خلفته من دمار إنساني واسع، أعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام العالمي بعد أن كانت هامشية لسنوات.

أما من حيث التركيبة السياسية للمؤتمر، فشرم الشيخ 2025 يضم تمثيلاً عربياً أوسع، بمشاركة مصر والسعودية وقطر والأردن والإمارات، إلى جانب السلطة الفلسطينية، ووفد أمريكي برئاسة وزير الخارجية، ومراقبين من الاتحاد الأوروبي والصين.
ما يميّز المؤتمر أيضاً أنه لا يقتصر على الجانب السياسي فحسب، بل يتناول محاور إعادة الإعمار، والمساعدات الإنسانية، وضمانات أمنية متبادلة، في محاولة لخلق “صفقة شاملة” تربط السياسة بالاقتصاد.

ثالثاً: الفارق في الخطاب الأمريكي

على الرغم من أن المؤتمر يُعقد برعاية أمريكية، إلا أن الخطاب الأمريكي هذه المرة يبدو مختلفاً شكلاً إن لم يكن مضموناً.
واشنطن التي طالما تبنت الرؤية الإسرائيلية بالكامل، تحاول اليوم الظهور بمظهر الوسيط المتوازن، بعد أن أدركت أن استمرار الصراع دون حل يهدد مصالحها في الشرق الأوسط ، فقد تحدثت الإدارة الأمريكية الحالية لأول مرة عن “ضرورة وقف التوسع الاستيطاني”، وعن “التزام واشنطن بحل الدولتين”، وهو ما لم نسمعه منذ أكثر من عقد.

لكن السؤال: هل يكفي الخطاب؟
الإجابة تتوقف على ما إذا كانت واشنطن مستعدة لترجمة هذا الخطاب إلى ضغط فعلي على إسرائيل، أم أنها ستكتفي بتكرار السيناريو المعروف: وعود بلا تنفيذ، وقرارات مؤجلة إلى أجل غير مسمى.

رابعاً: الانقسام الفلسطيني – العقدة القديمة

لا يمكن لأي مؤتمر أن ينجح ما دام البيت الفلسطيني منقسمًا بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
فصائل المقاومة في غزة ترى أن أي مؤتمر برعاية أمريكية هو محاولة لتصفية القضية تحت مسمى “السلام الاقتصادي”، بينما تعتبر السلطة الفلسطينية أن المشاركة واجب سياسي للحفاظ على التمثيل الدولي.
وبين الموقفين، يضيع الهدف الحقيقي: توحيد الصف الفلسطيني وبناء رؤية موحدة للمستقبل.

لقد أثبتت التجارب أن الانقسام الداخلي هو السلاح الأقوى الذي يستخدمه الاحتلال لتعطيل أي مشروع وطني ، لذلك فإن نجاح مؤتمر شرم الشيخ مرهون قبل كل شيء بمدى قدرة الفلسطينيين على تجاوز خلافاتهم وتوحيد موقفهم التفاوضي.

خامساً: الدور العربي – بين الحذر والمسؤولية

الدول العربية المشاركة في المؤتمر تبدو أكثر واقعية من ذي قبل ، فمصر، التي تستضيف المؤتمر، تسعى لأن يكون شرم الشيخ منصة لإحياء العملية السياسية، وليس مجرد تجمع دبلوماسي عابر.
أما السعودية، فتربط أي تطبيع مستقبلي مع إسرائيل بوضوح بمسار سياسي عادل يضمن قيام دولة فلسطينية.
هذا التوجه، إذا تمسك العرب به جماعياً، قد يشكل عامل ضغط جديد يعيد التوازن إلى طاولة المفاوضات.

سادساً: بين الأمل والتشاؤم

لا شك أن الظروف المحيطة بمؤتمر شرم الشيخ 2025 تحمل مؤشرات إيجابية: عودة الزخم الدولي للقضية الفلسطينية، تغيُّر نسبي في الموقف الأمريكي، واستعادة بعض التماسك العربي.
لكن في المقابل، هناك عقبات ضخمة: حكومة إسرائيلية متشددة ترفض أي تنازل، وانقسام فلسطيني لم يُحسم، وذاكرة طويلة من الإخفاقات جعلت الشارع العربي متشككًا في كل مؤتمر جديد.

ختامًا ، قد لا يكون مؤتمر شرم الشيخ 2025 هو العصا السحرية التي تنهي الصراع، لكنه بالتأكيد يمثل اختباراً حقيقياً للنيات ، فإما أن يتحول إلى نقطة انطلاق لمسار سياسي جاد يعيد للقضية الفلسطينية مكانتها، أو يضاف إلى قائمة المؤتمرات التي ملأت الأرشيف العربي بالبيانات دون أثر على الأرض.
والنجاح هذه المرة لن يُقاس بعدد الكلمات في البيان الختامي، بل بما يتحقق للفلسطينيين على الأرض من أمن وحرية وسيادة.
فالقضية لم تكن يوماً بحاجة إلى مزيد من المؤتمرات، بل إلى إرادة حقيقية تترجم الشعارات إلى أفعال.
وما بين الأمل والخيبة، يبقى صوت فلسطين هو الاختبار الأكبر لكل من يدّعي أنه يسعى للسلام .






• بقلم الإذاعي الكاتب شريف عبد الوهاب
رئيس الشعبة العامة للاذاعيين العرب