• ×
الخميس 18 ديسمبر 2025 | 12-17-2025

اللغة العربية .. نبضُ حرفٍ يستنطق الهوية

اللغة العربية .. نبضُ حرفٍ يستنطق الهوية
0
0
الآن -

تُمثّل اللغة العربية إحدى الركائز الأساسية للهوية الوطنية والثقافية في المملكة العربية السعودية، فهي لغة القرآن الكريم، ولسان الرسالة الإسلامية، وأحد أبرز مكوّنات الشخصية الحضارية للمجتمع.

ولا يقتصر حضور العربية على كونها أداة للتواصل اليومي، بل يتجاوز ذلك ليشكّل إطارًا فكريًا ومعرفيًا أسهم عبر التاريخ في بناء الإنسان والمكان، وصياغة منظومة القيم والوعي الجمعي.

ارتبطت العربية منذ نشأتها بالعلم والمعرفة، فكانت لغة الشعر والحكمة، ثم غدت لغة التشريع والفكر، ومنها انطلقت حركة ترجمة وتأليف نقلت العلوم إلى آفاقٍ عالمية.
ولم تكن هذه المكانة وليدة الصدفة، بل نتيجة ما تمتلكه العربية من خصائص بُنيوية، في مقدمتها المرونة الاشتقاقية، والقدرة على التوليد، والدقة في التعبير، وهي خصائص مكّنتها من استيعاب المفاهيم الجديدة والتفاعل مع التحولات الحضارية المختلفة.

وفي السياق السعودي، تكتسب اللغة العربية بعدًا إضافيًا، نظرًا لارتباطها بالمكان الذي انطلقت منه رسالة الإسلام، وبالدور الحضاري الذي تضطلع به المملكة اليوم على المستويين العربي والإسلامي. ومع ما تشهده البلاد من تحولات تنموية شاملة في إطار رؤية المملكة 2030، يبرز البعد اللغوي بوصفه عنصرًا داعمًا للتنمية المستدامة، لا سيما في مجالات التعليم، والثقافة، وصناعة المحتوى، وبناء الإنسان.

إن اللغة ليست وسيلة محايدة لنقل المعرفة، بل أداة فاعلة في تشكيل التفكير وصناعة المفاهيم. ومن هذا المنطلق، فإن تعزيز حضور العربية في التعليم يُعد خيارًا استراتيجيًا، يُسهم في تعميق الفهم، وتنمية مهارات التحليل والتفكير النقدي، شريطة تطوير المناهج، وتحديث أساليب التدريس، وربط اللغة بسياقاتها الوظيفية والمعرفية. فالتحدي الحقيقي لا يكمن في اللغة ذاتها، بل في طرائق تقديمها للأجيال الجديدة.

أما الإعلام، بما يحمله من تأثير مباشر في تشكيل الذائقة العامة، فيتحمّل مسؤولية كبرى في صون سلامة اللغة والارتقاء بها.
فاللغة الإعلامية الرصينة، الواضحة، البعيدة عن التعقيد أو الابتذال، قادرة على الجمع بين الدقة والجاذبية، وعلى تقديم العربية بوصفها لغة عصرية قادرة على مواكبة المتغيرات، والتفاعل مع القضايا المحلية والعالمية بكفاءة واقتدار ، وهذا مايتم الحرص عليه في واقعنا الذي نراه فيما يُقدِّمه الإعلام السعودي .

اليوم يبرز الفضاء الرقمي بوصفه أحد أهم ميادين التحدي والفرص في آنٍ واحد ، فالتوسع الهائل في استخدام المنصات الرقمية أسهم في انتشار أنماط لُغوية هجينة، غير أن هذا الواقع يتيح في الوقت ذاته فرصًا واسعة لإنتاج محتوى عربي نوعي، يُعبّر عن الهوية، ويواكب روح العصر، ويعزّز حضور العربية في مجالات المعرفة والترفيه والتقنية.

إن مسؤولية الحفاظ على اللغة العربية وتعزيز مكانتها مسؤولية مشتركة، تتقاسمها المؤسسات التعليمية والثقافية والإعلامية، كما يضطلع بها الفرد من خلال ممارساته اليومية، واختياراته اللغوية، وحرصه على سلامة التعبير ودقته.
فاللغة لا تضعف إلا حين يُهمَل استخدامها، ولا تزدهر إلا حين تُمنَح الثقة والمكانة التي تستحقها.

وفي الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، حيث يحتفي العالم بيوم اللغة العربية، تتجدد المناسبة للتأكيد على أن العربية ليست إرثًا لغويًا فحسب، بل مشروعًا حضاريًا متجددًا.
والاحتفاء الحقيقي بهذه المناسبة لا يقتصر على الفعاليات والندوات، بل يتجسّد في جعل العربية لغة حضورٍ يومي في التعليم والإعلام والمعرفة، وفي ترسيخها بوصفها وعاءً للهوية، وأداةً للتنمية، وجسرًا للتواصل مع العالم.
فهي نبضُ حرفٍ يستنطق هويتنا، ويؤكّد أن الأمم التي تصون لغتها، إنما تصون مكانتها ومستقبلها .