• ×
الخميس 17 يوليو 2025 | 07-16-2025

الخبث الإسرائيلي ومحاولات إغراق المنطقة في الفوضى المستمرة

الخبث الإسرائيلي ومحاولات إغراق المنطقة في الفوضى المستمرة
0
0
الآن - منذ قيام الكيان الإسرائيلي عام 1948، شكّلت إستراتيجيته الأمنية والسياسية منظومة مركبة من السياسات الخبيثة التي لا تستهدف فقط تثبيت أقدامه في فلسطين المحتلة، بل تتعدى ذلك إلى إشاعة الفوضى وعدم الاستقرار في عموم المنطقة العربية.
هذه السياسات ليست نتاج أحداث ظرفية أو مواقف دفاعية، بل هي نهج ممنهج يمتد لعقود، يتغذى على نظرية “العدو المحيط” و”الفوضى الموجَّهة”.

لعبت إسرائيل دورًا محوريًا في دعم وتأجيج النزاعات الداخلية في العديد من دول الجوار، سواء عبر التدخل المباشر أو من خلال الحلفاء والأذرع الاستخباراتية ، الفوضى كأداة استراتيجية .
وقد تبنّى مُنظّرو الأمن القومي الإسرائيلي مبدأ “التفتيت الداخلي” في الدول المحيطة، باعتباره وسيلة لتقليص الخطر الوجودي على الدولة العبرية ، ومن هنا نفهم، على سبيل المثال، الاهتمام الإسرائيلي بالتقسيمات الطائفية في العراق وسوريا ولبنان، بل وحتى في السودان وليبيا.

تتقن إسرائيل اللعب على التناقضات الداخلية في الدول العربية، سواء الطائفية أو العرقية أو السياسية ، ودعمت، بصورة غير مباشرة، بعض الجماعات المتطرفة حين كانت مصالحها تقتضي ذلك، كما في حالة بعض التنظيمات المسلحة في جنوب سوريا، أو في دعم فصائل متنازعة في الداخل الفلسطيني نفسه، في محاولة لإضعاف الموقف الوطني الجامع. كل ذلك يجري تحت غطاء العلاقات الدولية المعقدة، وبمباركة أو تغاضٍ من بعض القوى الكبرى.

ولا يقل الدور الإعلامي الإسرائيلي خبثًا عن الدور الأمني ، فقد سعت إسرائيل إلى تشكيل وعي زائف لدى الرأي العام، مستثمرةً أدوات الحرب النفسية، والبروباغندا، وتزييف الحقائق ، وتجلّى ذلك في تعاطيها مع الأحداث الكبرى، مثل العدوان على غزة أو دعمها الخفي لتأجيج الخلافات في بعض الدول ، حيث تُقدّم نفسها دومًا كضحية في مواجهة “الإرهاب”، بينما ترتكب أبشع الجرائم بحق المدنيين .

وفي السنوات الأخيرة، دخلت إسرائيل مرحلة جديدة من مشروعها التفتيتي، تتمثل في الدفع نحو “تطبيع بلا سلام”، وهو تطبيع شكلي مع بعض الأنظمة العربية دون معالجة جوهر القضية الفلسطينية .
هذا النوع من العلاقات التطبيع كأداة للفوضى الناعمة ، يخدم هدفين متوازيين: إضعاف الموقف العربي المشترك، وزرع الفتن داخل المجتمعات العربية بين مؤيد ومعارض، وبالتالي تغذية الانقسامات الداخلية بشكل ناعم وغير مباشر .

الخبث الإسرائيلي ليس مجرد حالة من العداء التقليدي، بل مشروع تفكيكي طويل الأمد ، والتصدي لهذا المشروع لا يكون فقط بالمواجهة العسكرية، بل بالوعي السياسي، وبناء جبهة داخلية صلبة في العالم العربي، قادرة على التمييز بين العدو الحقيقي والمشاكل الذاتية .
كما أن كشف أدوات الفوضى ومصادرها يُعدّ الخطوة الأولى نحو استعادة المبادرة وفرض الاستقرار كخيار إرادي، لا كهدنة مؤقتة.

لكن في ظل ما تشهده المنطقة اليوم من تسارع غير مسبوق في عمليات التطبيع، وتزايد وتيرة العدوان الإسرائيلي، خصوصًا على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، ولبنان ، واليوم في سوريا فإن الحاجة إلى دور عربي فاعل لم تعد ترفًا سياسيًا، بل ضرورة مصيرية.
إن استمرار الصمت أو التواطؤ أو الاكتفاء بالشجب لم يعد مجديًا، بل يرسّخ واقعًا يُكرّس الهيمنة الإسرائيلية ويزيد من تفكك البنية العربية.

نحتاج اليوم موقفاً عربياً موحداً ومبادراً ، يُعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية باعتبارها مركز الصراع، وحماية دول المنطقة ، ويعزّز من أدوات الردع السياسي والدبلوماسي ، يضغط عبر المحافل الدولية، لوقف مشروعها التخريبي المستمر . فالفوضى لا تُواجَه بالشعارات، بل بسياسات حازمة وتحالفات صادقة تُعيد للأمة مكانتها وتضع حدًا لهذا العبث المستمر .